| 0 التعليقات ]

أصل التعصب فى اللغة: أن يدعوَ الرجل إلى نصرة عَصَبَتِهِ (أى قومه) والتألب معهم على من يناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحى المتعارف عليه للتعصب فى زماننا عن هذا الفهم؛ ذلك أن التعصب يعود إلى خلل فكرى يدفع بعض الناس إلى توهم أفضليته على غيره، أو تصور أنه وحده هو الذى يملك الحقيقة والصواب، وأن غيره ينبغى أن يتبعه.
والتعصب جمود فى العقل وانـهيار للفكر؛ لأنه لا يسمح بالتعددية الفكرية، وسنة الفكر أن الآراء يقدح بعضها بعضًا، ومن خلال التعددية نصل إلى الأفضل ونقف على السلبيات والعيوب فى الآراء المعروضة.
أيضًا التعددية فى الفكر تعمِّق الفهم للمسائل، لأن المسألة حينئذ تُرَى من زوايا ووجوه متعددة، فى حين أن الجمود على فكرة واحدة أو وجه واحد يقتل بقية الآراء والأفكار.
وقد وضع الإسلام الأساس النظرى للمساواة بين البشر، فالأصل واحد قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" (الحجرات/13). واختلاف الألسنة والألوان من آيات الله الدالة على عظمته وقدرته: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً" (هود/118). ولكن شاءت قدرة الله أن تتعدد الأجناس والألوان والألسن، دون أن يكون هذا سببًا فى تفضيل بعض الناس على بعض، إنما الميزان الذى به يتفاضل الناس هو: التقوى، وحسن الخلق، وهو ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم لواحد من خيرة الصحابة - رضوان الله عليهم – وهو سيدنا أبو ذر الغفارى رضى الله عنه ، قال له النبى صلى الله عليه وسلم : "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود، إلا أن تفضِّله بتقوى الله".
والتعصب جاهلية مقيتة، حسمها الإسلام وقضى عليها من جذورها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أنسابكم هذه ليست بمنسبة على أحد، كلكم بنو آدم، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى".
وذم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم العصبية والتعصب فى كثير من أحاديثه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس منَّا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منَّا من مات على عصبية".
إن طوق النجاة لهذه الأمة فى حياتنا المعاصرة يكمن فى وعى الأمة بدورها فى صياغة مشروع حضارى متميز يستفيد من الحضارات الآخرى ويضيف إليها، ولا يمكن ذلك إلا من خلال إبداع العقول والاجتهاد والتجديد، ولا يكون ذلك أبدًا مع التعصب والانغلاق وضيق الأفق الفكرى، أو بتكفير المخالفين؛ لأن هذا ضد حضارة الإسلام وضد مسيرة الوعى ورحلة المعرفة والاجتهاد.
فالتعصب انغلاق وعزلة ... إنه الموت.
دوافع التعصب:
• الجهل: فبيئة الجهل من أقوى أسباب العصبية والتعصب.
• الاستسلام للعادات والتقاليد البالية: وقد نعى القرآن الكريم على من غلبت عليهم روح القبلية وعاداتـها فرفضوا الإسلام بحجة أنـهم أوفياء لما كان عليه آباؤهم وأسلافهم، قال تعالى: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" (البقرة/170).
كما بيَّن الإسلام أن الأساس الذى نلتقى عليه فى التعاون والمناصرة هو البر والخير والتقوى، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة/2)، يؤكد القرآن ذلك حيث جعل المناصرة بين المؤمنين إنما تكون على حق، قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة/71)، وعدَّ النبى صلى الله عليه وسلم ميتة المتعصب ميتة جاهلية، فقد أخرج مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لغضبة أو يدعو إلى عَصَبة أو ينصر عَصَبَةً فقُتِل فقِتْلَةٌ جاهلية".
كما أبطل الإسلام التفاخر بالآباء ومآثر الأجداد، أخرج الترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهينَّ أقوم يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا ... إن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية، إنما هو مؤمن تقىُّ، وفاجر شقىٌّ، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب".

• الظلم والقهر وغياب العدالة:
حيث يتسبَّب الظلم والقهر وغياب العدالة فى كراهية من وقع عليه هذا الظلم والقهر للظالم ورفض كل ما يتصل به، والوقوع فى العناد والتعصب؛ ولذلك أمرنا الإسلام والقرآن ألا نسُبَّ الآخرين، وألاَّ نحمل عليهم بالباطل إذا ما جادلناهم، قال تعالى: "وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل/125)، وأمرنا أن نلتزم العدالة، حتى مع المخالفين والأعداء، قال تعـالى: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ" (المائدة/8).
• سوء الفهم:
فسوء الفهم وقلة الوعى بالآخر يوقع الإنسان فى التعصب، حيث يصل الإنسان إلى نتيجة مضللة لا تمثل الواقع ولا الحقيقة.
ولذلك ينبغى على الإنسان العاقل أن يفهم الطرف الآخر قبل أن يحكم عليه أو يتوجَّه إلى الردّ، ويا حبذا لو استوضح منه مراده، فربما أخطأ الطرف الآخر فى التعبير عن مراده، والمواقف من حياة النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة خير شاهد ودليل على هذا، فحين أعلن ***** كلمة الكفر بسبب اشتداد الإيذاء عليه، أسرع بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعين وقد هالهم أمر كفره، فاستوضح النبى صلى الله عليه وسلم وقال له: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئن بالإيمان، فأنزل الله قوله عز وجل : "إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ" (النحل/106).
يدخل فى سوء الفهم سوء فهم النصوص الدينية، فكثير من مواقف التعصب تأتى من سوء فهم النصوص الدينية وعزلها عن سياقها، ليجد المتعصب فيها دليلاً على تعصبه.
وقد أبطل الإسلام كل دوافع التعصب وقضى عليها، ودعا إلى التسامح والتعاطف والتراحم والرفق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما كان الرفق فى شىء إلا زانه، ولا نزع من شىءٍ إلا شانه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله".
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ


0 التعليقات

إرسال تعليق